الخميس، 20 مايو 2010

وداعا أيتها الصحراء


حين نتعب من همومنا ... ومن ألم البوح .. .. وترهقنا ثرثرات النثر ... ويعذِبنا عجز الحروف .. نلجأ إلى الشعر . وهنا أجمل الشعر .... إنها قصيدة رائعة لشاعر متميِّز ..... إنَّه شاعرعصريٌ يعيش بيننا ، ولكنه ينتمي إلى عصر الشعراء الفطاحلة ...

هو أحمد بخيت ......... ولكن من هو أحمد بخيت ؟

هو شاعرمصري وُلد في 26 فبراير 1966 بمدينة أسيوط بمحافظة أسيوط. عاش طفولته وتلقّى تعليمة في القاهرة. و تخرّج من دار العلومِ عام 1989. عمل معيداً بقسم النقد والبلاغة والأدب المقارَن بكلّية الدراسات العربية والإسلامية جامعة القاهرة - فرع الفيوم منذ عام 1990. ثم ترك العمل الأكاديمي منذ سنوات ليتفرغ للكتابة.له عدة دواوين.

.وفاز بالعديد من الجوائز ، من بينها جائزة البابطين للشعر، وجائزة الدولة التقديريه للشعراء الشباب

كما حصل أخيراً على جائزة المركز الثالث في مسابقة (أمير الشعراء) للعام 2008

وهذه قصيدته الرائعة :

( وداعا أيتها الصحراء )

سأخـرجُ مـن حريـر العاشـقــاتِ
ومـن ذهــبٍ يـخـونُ معلّقــــاتـي
أجـلْ لـي صاحـبٌ يبكـي فأبكــي
ولـي طـلـلٌ يلـيـق بمفـــــرداتـي
ولـي لغتـــن: فصـحـى أنجبتـنـي
ودارجـــةٌٌ سأمنحُـهـــــا رُفـاتــي!

ولي زهـوُ «المنخّـل» حيـن يُفضـي
بأسـرارِالبُـروقِ إلــى الحـصــــــاةِ
ولـي شـرفُ الصعـودِ إلـى غيـــومٍ
تُقطّرنـي علـى «خــدر الفـتـــــاة»

ولـي خبـزُ الخرافـةِ ملـحُ دمعــي
رمــالُ بـداوتـي خـمـرُ انفـلاتـي
ولـي بـابٌ علـى الملكـوت نبــعٌ
بـوادي الـجـنِّ عـيـنٌ للمَـهـــــاة

ولـي أبـديّـةُ الصـحـــراءِ لـيـلٌ
بــآلاف النـجـوم الشاحـبــــــات
حنيـنُ النُّـوق ياقوتُ القــوافــي
ولألاءُ التصعـلـكِ فــي الـفـلاة

ولـيْ مـا ليـس لـي خمسـون أمّـاً
ولكـنـِّي يـتـيــمُ الأغـنـيــــــــات
أتيتُ وفـي يـدي العســـراءِ سيـفٌ
ينـوحُ علـى الضحـيّـة والجُـنـــــاة
بكيتُ ومـا بكيـتُ قـروحَ روحـي
ولا شـوقـي للـيـل الظاعـنــــــات
سيرتهـنَّ "السمؤل" مـن دروعـي
وديعـةَ ذاهــبٍ نـحـو المـمـــــــات
ستنسلـخ القبـائـلُ مـنْ دمـاهـــــــا
ستنتقـمُ الحيــاةُ مــن الحـيــــــــاة!!

أأطلـبُ فـي بـلاط الــرومِ ملكــاً
ولـي ملـكُ الريـاحِ السافـيـــات؟
سأتـرك لـحـمَ أسـلافـي لقيـطـــاً
يحـنُّ إلــى حـنـان الأمّـهــــــات
وأبحـث عـن معلّـقـةٍ لـروحــي
بعيـداًعـن صـواريـخ الغُـــزاة

سلامـاًياامـروأَ القيـسِ انتهينـــــــا
حقائـبَ فـي مطـارات الشَّـتـــــات
أنـا لاأعبــــــدُ الأصـنــــامَ شـعـراً
ولا أبكي الـرســـومَ الـدارســـات
فُطمت عن الوقـوف على خرابٍ
وتأبيــنِ الـرمــــادِ بنهنـهــــاتـي
برئـتُ مـن افتـخــارٍ عنجـهـــيٍّ
بأيــَّــام الـعـظــــــامِ البـالـيــات
ولـم أصعــدْ إلـى نسـبٍ عـريـقٍ
سوى نسـبِ الصحيفـةِ والـدَّواة!!

سقطـتُ إلـى الحيـاة دماً أليـفـــــاً
يـخـوضُ المعمـعـــانَ بـــلا أداة
ومـا لـي فـي ربـاط الخيـلِ جهـدٌ
جهـادي فـي ربــاط الغانـيــــات
أنـا مـا لا يحـبُّ الـنـاسُ مـنـــي
إمـامُ الـيـأسِ مـهـديُّ الـغُــــواة

ورثتُ مـن الحضـارة خمـرَ كسـرى
وآلاتِ الـقِـيــــــانِ الـعـازفــــــات
مـن الـروم التسكّــــعَ قـربَ دَيْـرٍ
گراهـيـةَ الـرعـيّـةِ لـلـرعــــــــاة
من الهند المنجِّــــــمَ حيـن يتلـــــو
طَوالـعَ فــي كـتـاب النـيّـــــرات
مـن اليونـان سفسطتـي وشـكّــي
وحـيـرةِ موقـفـي وتســـاؤلاتـي!!

سأهبـطُ جنّـةَ الشيـطـانِ يـومـاً
وأقـرع بـابَ مملـكـةِ العُـصـاة
وأصعـدُ نـحـو علّيـيـنَ يـومـــــاً
لتقتـحـمَ الـسـمـــــــاءَ تبـتُّـلاتـي
سأعصـر گرمـةَ الأيــامِ خـمـراً
وأسـقـي للحـيــاة تناقـضـاتـــي

سلاماً يـا ابـنَ هانـىءِ نحـن جئنـا
بعصـر الشـكِّ لا عصـرِ الـهُــداة
عنيـــداً أبتـغـي مــا لا يُسَـمَّــــى
وحـيـــداً أستـظـلُّ بمعـجـزاتــي

سأخترق النبـوءة - دون خـوفٍ -
علـى خيـلِ المعـانـي الخـــالـدات
نُفِيـتُ فغبـتُ كـي أَنْفـي غيــابــي
نُعيـتُ فجئـتُ كـي أَنْعَـى نُعــاتـي

أنـا هـو أحمـدُ الكـوفـيُّ .. نـامــوا
علـى خُبْـث الرعـيّــــــــةِ والــولاة
أنـا هـو أحمـد الكوفـيُّ قـومــــــــوا
علـى غـدر السيـــوفِ المشرعـات

ستسقـط ألـفُ «بغـدادٍ» فسيـروا
إلـى ملـك الأعـاجـمِ والخُـصـــاة
فـررتُ إلـى الـذي سأفـرّ مـنـــهُ
وألجأنـي الفـواتُ إلــى الـفــوات

خسرتُ أَجَلْ .. خسرتُ نفسـي
لأربـحَ مـا خسـرتُ مـن الهِبـات
ولكـنـي أكـيـدُكُــــمُو بـمـوتــــــي
وفي شـرف الـردى شـرفُ الحيـاة
سأذهـب طاهـراً منـكـم ومـنِّـي
إلـى ملكـوت سيّـدةِ اللـغــــــات!!

دخلـتُ «معـرّةَ النعمـانِ» أعمـى
يرى زحـفَ العُصـارة فـي النبـات
يـرى بـؤسَ الأجنّـةِ وهـي تعـــوي
مـن الأصـلاب بحثـاً عـن فُتــــات
وها أنـا فـي الثلاثـة مـن سُجونـي
غـرابُ الـروحِ ينعـبُ فـي لُهاتـي

شُفيتُ فمـا شَقيـتُ بـإرث مـاضٍ
شقيـتُ فمــــا سُبـيـتُ بحـلــــم آت
فكيف طُـردتُ مـن جنّـات شكّـي
مجوسـيّـاً يكفّـرنـي قُـضــــــاتـي؟

ومن أنـا والتـرابُ يغـوصُ تحتـي ؟
ومـن أنـا فـي سمــــاء الطـائـرات؟
ومـنْ أنـا فـي ســــلامٍ معـدنـــــيٍّ ؟
ومن أنـا فـي حـروب الحاسبـات؟

سلامـــاً أيهـا الحـاسـوبُ صــــرنـا
قــوائـمَ فـي ســلال المهـمــــــــلات
سأبحـث عـن «لزوميـاتِ» صمتـي
وعـن قـبـرٍ بحـجــم تأمُّـلاتـــــــي!!

لـمــــاذا لا تُتابـعـنـــي ظـلالــي؟
لـمـاذا لا تُشابهـنـي صفاتـــــــي
لمـاذا خَــرّبَ النسـيـــــانُ قلـبـي
وخانتـنـي شجـاعــــةُ ذكـريـاتـي
فـلا طـربٌ ليأنـسَ بـي صِحابـي
ولا غـضـبٌ ليخشــانـي عِـداتـي

كأنِّـي خـارجٌ مـن كـلّ شـــــيءٍ
يُسابقني إلـى مـوتي مَــــواتي!!
بعيداًعن دمـي عـن حـزن أهلـي
بعيـداً عـن عــذابِ الكائـنـــــات
يمـرُّ الفاتـحـون عـلـى عظـامـي
فـلا تدمـى ولا تُـدمـي قَنــــاتـي

أنـا حجـــرُ النهـايــــةِ فاتركُـونـي
لأغـرقَ فــي مـيــــاه تداعيـــاتـي
هـوتْ عشـرون أندلســــاً لأبـكـي
علـى أطلالـهـا مـجـدَ الحُـفـــــــاة

فمن سيرى قـرابَ السيـفِ يبكـي ؟
ومـن سيلُـمُّ دمـعَ الصافـنــــــــات؟
ومن سيشـمُّ رائحـةَ «ابـنِ رشـدٍ»
تسافـرُ فـي مـداد «الترجـمـات»
ومن سيضـوعُ مِسـكُ الـروحِ فيـهِ
ويسكُـن فــي بـهـاء مُنمنمـاتــــي ؟
ومـن سيكـون آخــرَ عَبْشـمــــيٍّ
يُمـزّقـه نـحـيـبُ مُوشّـحـــــاتـي ؟
ومـن سيعلّـقُ الأجــراسَ مـنــــَّــا
- قُبيلَ الفجرِ - فـي عُنُـق الكُمـاة ؟

أتسـألُ يـا «ابـن زيـدون» لمـاذا
يعـافُ الشـدوَ جـبّـارُ الـشُّــــــــداة
مضى زمـنُ الذيـن حَمَـوْا حِماهـم
وليـس يليـقُ بـي زمـنُ اللـواتـــي
إلـى الرَّبْـع الخـرابِ نعـود رَهْـواً
«فـلا ثقلـتْ بطـونُ المنجِـبـات»

أنـا المتحـدِّثُ الشعـبـيُّ باسـمــــي
وباسـم اليائسيـن مــن النـجـــــــاة
مُـدانٌ بارتكـاب «الحـزنِ» جهـراً
ومتَّـهـمٌ بـإزعـــاج الـطـغــــــــاة
أنـا مـنـدوبُ تدشـيــــــنٍ لجـيـلٍ
تَناسـلَ فـي زحــام الحـافـــلات
تساقـط مـن دم الأرحـامِ كـهـــلاً
لتلعـنَــــــــه أكـــفُّ الـقــــابـلات
نما فـي السهـو فـي عَطَـن الليالـي
وفـي عُقْـم الخطـى واللافـتــات!!

أُبشّـرُكـم بتِـنّـيـــنٍ رهــــــيــبٍ
تَنفّـسَ تحـت سقـفِ العـائـلات
سيـرفـضُ إرثَـكـم دون امتـنــانٍ
ويعبـر سخطَـكـم دون التـفــــات
سيرقـص فــي قمـيـصٍ أجنـبـيٍّ
ويحـشـو تـبـغَـهُ بالمـوبـقــــات
سيهبـطُ نـحـو غُلْمـتـه لـيــأوي
إلـى قطـط الـغـرامِ الجائـعـــات
سيصنـع مـن أُبوّتكـم رصـاصـاً
لتندلـعَ الجريمـةُ فــي الجـهـــات
سيفـرحُ عندمـا تعطيـه «رومــا»
معـونـةَ شـهــــــوةٍ ومُعـلَّـبـــــات
سيخرج مـن ربـاط الخيـلِ قسـراً
ويُطْـرَد مـن دعــاء المئـــذنـات

سلاماً يا " ابن عبدلله " «رومـا»
تُـوزّع خبزَنـا وقـتَ الـصـــــلاة!!
لمـاذا تجرحـيـن صـفـــاءَ يـأسـي
وتجترحـيـن هــدأةَ خـارطـــاتـي
وتبتكـريـن نـافــــــذةً لـروحـــي
وتخترعـيـن ثـالـثـــةَ الـرئــــات
حنانَـكِ أخطـرُ الغـربــــاءِ قلـبـي
وأخطـرُ مـا بقلـبـك وشوشـاتـي

أخافـكِ أم أخـافُ عليـــكِ مـنِّــي؟
همـا خوفـان: حَـنّـانٌ وعـــــــات
أجيئـــكِ فارغـــاً مـن كـل حـلـمٍ
وممتـلـئـاً كقُـبّـعــــــــــة الـحُــواة
مـن الوعـظ الجبـان مـن الأغانـي
من الخُطـب التـي التهمـتْ ثباتـي
ومن گتـب "الحماسة"و"الأمالي "
ومـن أشهـــــى أكـاذيـبِ الــرواة
مـن اللغـو المحنَّـط فـي حــواشٍ
علـى مـتـنٍ لألـغـاز النُّـحــــــــاة!
ومـن صـوف الدراويـشِ التكايـا
دفـوفِ الـزارِ شعــوذةِ الـرُّقـــاة!
مـن الحـبّ الـذي لا حـبَّ فيــــهِ
مـن الجسـد المهـيَّـأ للسُّـبــــــات
من "
من «النيل الگظيمِ» إلـى «الفـرات»

وداعـاً للجمـال .. لشـمـس «آبٍ»
إذا ابتسمـتْ علـى خـدّ البـنـــات
لألـعـاب الطفـولـةِ للأحـاجـــي
لعصفـور الصـبـاحِ لسوسنـاتـي
وداعـاً للبـكــــاء بـصـدر أُمّــي
لفـيـروز العـيـونِ الصـافـيـات
لطعـم البرتقـالِ لصـبـح عـيــــدٍ
تَــلألأَ بالثـيـــاب الـزاهـيـــــات
لسطـح طفولتـي لـدجـاج أمّــي
لأفــــقٍ بـاتّـسـاع تخـيّــــلاتـي
لمقـرعـة المعـلِّـمِ حـيـن تعـلـو
فتنفـجـرُ العـنـادلُ صـادحـات
لحكمـة جَدّتـي لسـعـال جَــدّي
لأشـجـار الحـنـانِ الباسـقـات
لثـرثرة الصداقـةِ للمـقـــاهـي
لقهقـهـــــةٍ مـهـذَّبـةِ الـنِّـكــات
لآهـة «أُمّ كلـثـومٍ» «لشـوقـي»
لآلاءِ الـقـلـوبِ الـخـافـقــــــات
لنزهـة عاشقيـن لشـجـو نــايٍ
لأحــلام الصبــــايـا النـاهـدات
لبيـت الحـبِّ للغـد حيـن يـأتـي
لآلاف الـوعــوِد الـرائـعـــــات

لقـد وَدّعـتُ مـا ودّعـتُ مـنـــي
لأولـدَ مــن رمـــاد الأمنـيـــات
سأفتـرع الكتابـــــةَ وهــي بـكـرٌ
وأجـتـرح الحقـائـقَ ثَـيّـبــــــات
وأنتظـرُ القيـامـةَ فــي هـــــدوءٍ
وحيـــداً تحـت سقـفِ مُخيَّماتـي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اللهم أعنيِّ على قبول تقلبات أجواء الحياة وساعدني على تحمل أثقالها