يحاصرك القبح من كل جانب ... قبح المشاهد التي تصدمك ... قبح الأبنية المتناثرة دون نظام ... قبح التكدس السكاني ...قبح الحدائق المهجورة ... قبح الوجوه الملونة ... قبح بعض النفوس ... قبح أنواع من التعاملات البشريَّة ... وتهرب ... تهرب من واقعك الرديء إلى عوالم افتراضية تبحث فيهاعن جمال اللفظ ،وجمال الفكر، فتفاجأ بأن كمية القبح في هذه العوالم أكبر من أي مكان آخر .... يتضح لك أن البحث عن الجمال في كل شيء مهمة شاقة وصعبة خاصة حين يكون الجمال نادرا .. والقبح هو السائد الشائع .ا
في الواقع الذي تعيشه ترى القبح في بنايات تبنى عشوائيا ودون ترتيب وبواجهات تفتقد روح الذوق ولمسة الاناقة .... ألوان جدران كئيبة وأسطح متنافرة ... نوافذ صغيرة توحي بظلمة الداخل ...ومتلاصقة ومتشابهة تذكرك بتلك الصناديق المتلاصقة التي يوضع فيها الدجاج المعد للذبح .... شوارع تزينها المطبَّات وتتناثر فيها الحفريات ... حدائق جافة ومتنزهات خالية من الخضرة ... سيارات متوقفة تملأ أطراف كل شارع دون تناسق ولانظام ... أخرى تتحرك في تلاحق وتسارع مخيف ... تكاد لكثرتها وسرعتها تحتك ببعضها البعض .... شواطيء مليئة بفضلات وقذارات لايعيرها المتنزهون اهتماما.... بيئة ملوَّثة في كل مكان ... وتضيق نفسك العاشقة للجمال ... فتبحث عن ما قد ينعش الروح قليلا ... ترسم بريشتك وألوانك الجمال الذي تتخيله ... تتأمل صورا لمناظر الفاتنة ... تتسلى برؤية أماكن استجمام مريحة ... ثم تجد نفسك تتصفح تلك المواقع النتيّــة التي تعدك بحوارات فكرية راقيـة ... تصدِّق ويحملك الفضول والتطلع إلى عالم أجمل داخل تلك العوالم الغامضة بحثا عن جمال من نوع مختلف ....جمال الفكر جمال الكلمة ... جمال الأرواح المختبئة وراء الكلمات.ا
وفي العوالم المُتوهمَّة تكتشف مع الوقت أن الجمال مفقود إلا فيما ندر ... وأنَّ للقبح طعما آخر .... القبح هنا يأتي على شكل عوادم تنفث حقدا ... هواء خانق رغم اتساع المساحات .... حصار على الرأي المختلف .... عدائية تجاه البعض دون سبب إلا خلفيات كسيحة .. وأوهام قبيحة ... حروب شعواء وتحزبات تعتمد على التوافق الفكري تتَّحدُ لتعمل على كسر الرأي المختلف وتهشيمه .... هنا تقوم الألفاظ القاسية والكلمات القبيحة .. والقذف الموجَّه بعناية إلى ذلك المختَلف مع فكره ، والنعت بأبشع النعوت ،وأكثرها إيلاما ... تحتل هذه مكان الرشاشات والطلقات النارية وأسلحة الدمار المتنوعة .... وتُسخَّر كلُّها أوبعضهامن أجل هدف واحد ...ألا وهو القضاء على الفكر المعارض تماما...أوتحطيمه وتفتيته . ومن حسن الحظ أن هذه الحرب القاتلة لاتنشبُ ولاتستعرُّ إلا في عالمٍ وهميُّ ، وبالتالي فإنها لاتستطيع أن تصل إلى الخصم لتصفيه جسدياًّ ، هي بالطبع تقتله معنوياً أحيانا، أوتسبب له جروحاً نفسيَّة أحيانا أخرى ..ومما لاشكَّ فيه أنها تفسد طعم الحياة على المغضوب عليه وتنكٍّد عليه عيشه .ا
هو القبح بأبشع صوره ... قبح الإنسان الذي تكون مهمته في الحياة أن يفسد حياة الآخرين ... الإساءة إليهم ... إيذاءهم بقبيح القول بقصد التخلص منهم إمابالخروج أوالسقوط والإستسلام ... مثلما يحدث في عالم الحيوانات المتوحشة التي لايستطيع الأقوياء فيها العيش إلا بالقضاء على الأضعف منها وإخراجه من دائرتها. ا
هذا هو مايحدث في العالم الإفتراضي في كثير من المنتديات التي يسمونها منتديات حِوارية ... وأي حوارٍ هذا الذي لاتستطيع أن تحاوٍر فيه وأنت آمن ... وأنت ترى كيف يُتوقع منك قبول كل الأفكار والآراء دون نقاش ولا اعتراض. حتى ولو كانت هذه الآراء تؤلمك ،أو تسيء إليك .. فقط جامل .. تظاهر بالموافقة والقناعة وإلا تعرضت للأذى والسخرية والشتيمة ...!!.. وهكذا تعود لتبحث عن الجمال الذي تشتاق إليه ... ثمَّ تسحرك صورة لجزيرة بعيدة داخل محيط ساكن وعميق ، بعيدة حيث لاوسيلة اتصال بالعالم المكتظ المليئ بالمشاكل والأحقاد والحروب... !.. تشعر فجأة بأن الجمال الحقيقي يقبع هناك ...هناك حيث الهدوء ،والطبيعة، وحيث النقاء الذي لاتشوهه أحقاد ، ولاتعكِّره خصومات البشر ... وتفكر ... وتفكر ..... ويصبح الوصول إلى تلك الجزيرة هاجسك الأوحد... وياله من هاجس !... فالجمال مطلب يستحق كل عناء.... وليحيا الجمال .ا
ليحيا الجمال أينما كان.... ولتحيا حياة الحرية .. حرية الروح والفكر.... حرية النفوس التي تعشق الجمال حيثما وُجد ... وفي جميع أشكاله وألوانه. وليسقط القبح مهما كان ... وكيفما كان .ا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق